الجمعة، يناير 02، 2015

وهم الحقيقة



ما هي الحقيقة؟
 كلمة حقيقة لها مرادفات كثيرة مثل: حَقّ ، صَوَاب ، سَلامَة ، صَحِيح ، صِحَّة ، صِدْق ، وَاقِع. ولكل هذه المرادفات أضاد مثل: باطِلٌ ، بُطْلٌ ، بُهْتانٌ ، خَطَأٌ ، زُورٌ ، إِفْكٌ ، خِداعٌ ، خِدَاعٌ ، غِشٌّ ، كَذِبٌ ، كِذْبٌ ، مُخاتَلَةٌ. لكن كلمة حقيقة ليس لها ضد مماثل للكلمة نفسها وليس مرادفات الكلمة. فالحقيقة في المعجم هي الشيء الثابت يقيناً، فما هو الشيء الثابت يقيناً سوى الموت؟ عدا تلك (الحقيقة) توجد العديد من الاختلافات والمتغيرات التي تجعلها خارج نطاق التعريف. قد يكون كل الأحياء يموتون الحقيقة ذاتها وليس الدلالة عليها، بمعنى أن كل شيء عدا ذلك يحيط به وهم الحقيقة، فالحقيقة قد تكون وجهة نظر قائل ومستمع. وقد يكون إثبات الحقيقة عملية في ذاتها ليست حقيقة. فلا أحد يثبت أن البشر تموت، تلك حقيقة لا يوجد خلاف عليها ولا استثناء لها.

ما هو هوم الحقيقة؟
عندما يكسر طفل شيء ما ويسأل هذا الطفل هل كسرته؟ فإن قال نعم صدق وإن قال لا فكذب لكن أين الحقيقة في أيهما؟ الحقيقة كما يراها هذا الطفل حول الحدث وطبيعته وسببه هي حتماً مختلف عليها بينه وبين غيره مما حضروا تلك الواقعة. عندما تخفى الحكومات الحقائق عن شعوبها هي في وجهة نظرها قد تحميهم من خطر ما، لكن هناك من سيصدق ادعاءات الحكومة ويعتبرها حقيقة طالما قالها شخص مسئول. وهم الحقيقة هو محاولة شخص ألا يثبت خبر ما تلقاه أو ألقاه على غيره. فالصدق والحقيقة ليسوا حتماً نفس الشيء. فحين يسأل طالب في مدرسة عن المتسبب فيمن فعل شيء ما، وهو يقول اسم شخص يكرهه ليزج به في هذا الموقف، ويصادف أن هذا الشخص فعلاً المتسبب في تلك الواقعة، فالطالب الذي سأل كذب لكنه قال الحقيقة.

هل الله حقيقة؟
طبقاً لتعريف الحقيقة فالله ليس حقيقة ثابتة يقيناً في ذاته للبشر، فالدلائل على وجود الله استنتاجية ظرفية بشواهد لا تثبت يقيناً لكل البشر. فالمعجزات دليل استنتاجى لوجود فاعلها وهو الله، لكن من لا يسلم بتلك المعجزات أو لم يرها وقت وقوعها أو لم يستقر في نفسه رؤية ما حوله وإعجاز الله في نفسه، بالنسبة له الله ليس حقيقة بل استنتاج. ومن هنا أعتقد أن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله هو جوهر الجنة والنار والثواب والعقاب. فلا أحد يستطيع أن يجعل الله حقيقة، لإن حينها أصبح لا هدف لوجود البشر لتحولهم إلى ملائكة لا يملكون الاختيار سوى طاعة الله.

هل الحقيقة واقع؟
كما هو دليل وجود الحقيقة في الموت، وأنه الثابت يقيناً (لكل الناس) سوى ذلك توجد درجات للحقيقة، وهنا تأتى مرادفات الكلمة لتحل محلها في الوصف، مثل الصدق والكذب، والحق والباطل، الصواب والخطأ. فكل تلك المعانى درجات للحقيقة وفى بعض الأحيان الوصف وعكسه لا يمثلان الحقيقة. فحين يرى أشخاص في الشارع رجلين يقتتلان، ويدخل مشاهد جديد للحدث ويسأل المشاهدون ماذا يحدث؟ حينها سيسمع عدة روايات منها الصدق ومنها الكذب، لا يستطيع هذا المشاهد الجديد أن يدرك أيهما صحيح، وقد يكتفى بـ (حقيقة) أنه يرى اثنان يقتتلان كشيء ثابت يقيناً أنه يحدث، لكن حينما يرى أن كاميرات تصور ما يحدث هنا لا يملك هذا المشاهد للحدث كيف يصف تلك الواقعة التي رآها بالروايات التي سمعها، لإن لا توجد كلمة عكس الحقيقة بل أقربها إلى الوصف هو أن ما رآه وهم.

الحقيقة المؤلمة
هناك تعبير غربى "هذا الشيء جيد لدرجة لا تجعله حقيقاً" قد يعطى هذا التعبير جزءاً هامة في معضلة الحقيقة، أن وجودها قد يرتبط بكل ما هو غير سعيد في غالبه، فالحياة بشكل عام قاسية فالبعض يعتبر هذا حقيقياً، لكنه ليس كذلك لبعض الناس مما يجعله نسبياً، لكنه أيضاً غير محدد بمعاير مما يجعله عشوائياً، ويحدث أن كل البشر تعاني بشكل أو بآخر لسبب أو آخر مما يجعله حقيقياً. فالحقيقية قد تكون مرتبطة بوهم تفسير فعل ما، أو طريقة رؤيتنا لهذا الفعل.

 الحقيقة والحقائق
لم يكتشف أحدا الموت ولم يتغير مفهوم الموت على مر العصور منذ فجر التاريخ، لكن الحقائق أساسها الاكتشاف والعلم، فالأرض ظلت مسطحة كحقيقة للناس حتى اكتشف الإنسان أنها ليست كذلك فأصبحت الأرض كروية كحقيقة ثابتة يقيناً لكل الناس، فالحقائق التي تتضح لنا بالمعرفة تزيد كل يوم لكنها تظل مربوطة بماذا نعرف أو عن ماذا نحاول أن نعرف أو مدى معرفتنا عن شيء ما بما لدينا من وسائل.

الحقيقة والتاريخ
كما هناك فرق بين التاريخ والتأريخ لما حدث في الماضى، فالأهرامات تاريخ وطريقة بناءها تأريخ. في كل عصر في التاريخ هناك شواهد على وصول من عاشوا تلك المرحلة إلى حقائق قد تختلف عما لدينا الآن، قد تكون أكثر تطوراً من الناحية العلمية أو أقل، لكنها حتما مغايرة في أساس تركيبها عن بحثهم عن الحقائق. فلماذا إذن لا تنتقل الحقائق بين العصور؟ هل سنستطيع توصيل ما توصلنا له من حقائق إلى من يأتوا بعدنا؟

الحقيقة سؤال أم إجابة؟
حين رأى الناس أن أشرعة السفن ترى من بعيد قبل ظهرها ظهر السؤال الذي أدى إلى الحقيقة أن الأرض كروية. حين عرف الإنسان حقيقة أن لكل إنسان بصمات متفردة كالأصابع والعين والأذن وغيرها لكل شخص عاش أو سيعيش على الأرض فالإجابة على سؤال كيف وأين تخزن تلك الخاصية بداخلنا ولماذا لا تخطئ فتتكرر، يظل السؤال هو الحقيقة الثابتى يقيناً حتى يأتي العلم يقيناً بالإجابة التي لا تتغير بمعطيات مختلفة. هناك العديد من النماذج التي سؤالنا عنها حقيقة وليست الإجابة عليها.

لماذا نبحث عن الحقيقة؟
عندما عرف الإنسان الموت أدرك قيمة الحياة، ولكن جهل الإنسان عن طبيعة الموت ومعرفة ما يحدث بعده يقيناً ثابتاً لكل الناس يجعل من الحياة معترك البحث عن إجابة ما وراء الحقيقة. فالحقيقة ليست هامة في ذاتها بل في السعي وراء ما يترتب عليها، فالأرض في حقيقة أنها كروية لم تحدث الفارق إلا في التطبيقات التي تلت تلك المعرفة من علوم على الأرض أو الفضاء. يبحث الناس عن الحقائق المادية والمعنوية لتكوين أساس لحياتهم التي يعلم الجميع فيها أن الموت هو الحقيقة الثابتة الوحيدة التي يمكن أن يضمن الاعتماد عليها.

ليست هناك تعليقات: